تجلس موظفة في مكتب السياحة والسفر علي كرسيها المريح في ميونخ ثم تقول وهي متوترة: ماذا تقولين مطار دمشق ؟ دمشق السورية ؟ - نعم. - انتظري دقيقة لو سمحت كي ألقي نظرة. سكوت ممزوج مع دهشة وعدم الراحة من السؤال . توجه السيدة الشاشة نحونا :لا يوجد معلومات متوفرة عن هذه الرحلة. و كأن نظام الحجزلم يعد يعمل . إنه لمن الواضح أن حصولهاعلى حجز إلى انطاليا في تركيا سيكون أفضل. لم يعد هناك أي رحلات الى سوريا,فما من أحد يرغب بالذهاب الى هناك,بل على العكس الجميع يهرب فقط.
بيروت! من خلال بيروت ومن هناك يمكننا قطع المسافة المتبقية بالسيارة, تقول لمياء بدر (اسم مستعار). لمياء بدر ٤١عاماً ترغب بالسفر الي سوريا خلال الأيام القادمة. يجب أن تقوم بتمديد إجازة العمل التي حصلت عليها قبل اللجوء كي لا تفقد وظيفتها حيث يجب أن تترك زوجها و أطفالها الأربع في ألمانيا . كانت لمياء وزوجها يعملون محامين في الأموال العامة و قد فقد زوجها عمله أثناء رحلة اللجوء. بعد ستة أسابيع وصلت لمياء بدر الي سوريا وكانت رحلتها طويلة من ميونخ عبرإسطنبول إلى بيروت بالطائرة ثم من بيروت الي دمشق بالسيارة. الوضع في دمشق، سوريا؟ يجب تحمله حتى يتم تمديد الأجازة.
ما هي اللحظة التي قررت خلالها مغادرة الوطن و اللجوء؟أنا أحاول الإتصال بلمياء من خلال " واتس أب" ولكن الشبكة ضعيفة و غير جيدة...
حوارٌ مع زوجِ لمياءَ "سامي" يكشفُ لنا كلَ ما يدورُ في خاطرهِ عن رغبتهِ في العودة.
عندما ازداد الوضع الأمني سوءاً وخصوصاً بعد أن تم اختطافي من وسط أسرتي مما اضطرني لدفع فدية للخاطفين حوالي٣٥٠٠ دولار لكي يطلقوا سراحي في حين عمّت الفوضى والهمجية البلاد حيث أنّ أطفالي لم يعد بإمكانهم الذهاب إلى المدرسة إذ لم تعد شوارع سورية آمنة أبداً.
كيف تمكنت من النجاه في رحلة الهروب؟غادرت سوريا في تشرين الأول ٢٠١٤متجهة إلى ألمانيا حيث استغرقت الرحلة ٢٣ ليلة عبر البحر والجو والبر و في حزيران ٢٠١٥ وصلت أسرتي بالطائرة إلى ألمانيا.
هل ثمة لحظات في ذاكرتك لا تستطيع نسيانها حتي الآن؟ملاحظة: غادر سامي سوريا بتاريخ ٢٤ تشرين الأول ٢٠١٤ متجهاً إلى العاصمة اللبنانية بيروت ثم استقل الطائرة إلى الجزائر ثم عبر الحدود مع تونس و وصل إلى ليبا ومن هناك أخد مركب من مراكب الموت عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا وتمكن بعدها من الوصول الي النمسا و بتاريخ٢٠ تشرين الثاني ٢٠١٤ وصل إلى ألمانيا.
كيف كانت الفترة الأولى من قدومك إلى ألمانيا ؟رأيت الموت آلاف المرات يومياً، تلك هي إحدى اللحظات التي يصعب وصفها وكانت أسوء ما عشت في حياتي.
هل تشعر بالندم والحسرة علي مغادرة وطنك؟نعم بالطبع، عندما كنت على الحدود الجزائرية ، كان الجيش هناك يقوم بعمليات تفتيش يومياً ولذا توجب علينا الإختباء داخل سيارة بضائع حيث سيطر علي الخوف الشديد آن ذاك وكنت أخشى من اللحظة التي قد يتم فيها القبض علي و إرسالي مرة أخري إلى سوريا، و قد رجوت ألا يحدث هذا.
لماذا شعرت بهذا اليوم؟لقد قضيت الستة أشهرالأولى لي في مأوىً للاجئين في دائرة ميونخ الواقعة في بافاريا وكانت تلك أياماً صعبةً للغاية. فكلما حاولت تناول وجبتي علي الأرض خرج لي فأر من شقوق المكان محاولاً نيلَ حصته هو الآخر.
كيف كانت ردة فعلك علي ذلك؟بالطبع تنوبني يومياً مشاعر الندم والحسرة، مغادرتي لوطني كانت اكبر خطئٍ ارتكبته في حياتي! ولكنني بالطبع أخاف علي عائلتي ويتوجب علي أن أترك مصيرنا بيد ربي، مع العلم أني لا أملك أي مستقبل في ألمانيا.
كيف كانت حياتك اليومية في سوريا؟أنا لا أملك أي مستقبل في ألمانيا حيث أني مارست المحاماة في سوريا ،والآن وقد بلغت التاسعة والأربعين من عمريً ليش لشهادتي كمحامي أي قيمة في ألمانيا. لقد تٌرجمت وصٌدقت عليها ولكن بلا فائدة . الموظفة المسؤولة عن حالتي تعاملني بلا أي قيمة. عندما أحتاج للتكلم معها تومئُ لي بيديها من غير احترام للخروج وذلك من دون أن تقول كلمة واحدة.
أنا دائماً أتجنب المشاكل وأذهب , ولكني أشعر باستياء شديد لأني يجب علي الذهاب الي هناك لأنني أرغب بالعمل كي أتمكن من كسب الرزق و ألا أجلس في بيتي طوال اليوم علي غير العادة.
كيف يشعر أطفالك هنا في ألمانيا؟كنت أعمل من عشر إلى اثتني عشرة ساعة يومياَ وكنت سعيداً بذلك ومكتفياً بما أجنيه وزوجتي و كان دخلنا فائضا عن حاجتنا ايضاً.
ولكن هل لديك انطباع جيد عن ألمانيا؟في مثل عمري لا أنصح بذلك ولكن الذي يرغب بالدراسة بعمرالشباب فمن الممكن أن يحصل على فرصة في ألمانيا. لكنني في هذا العمر اضطررت أن أعمل كعامل نظافة ؟!أفضل أن أعود إلى وطني وأترك أطفالي هنا في ألمانيا لأنني أخشي علي ولدي الأكبر أيضاً أن يساق إلى خدمة العلم في سوريا.
هل تشعر فعلياً بالوصول الي ألمانيا؟عندي ثلاثة أولاد وابنة ,فابنتي الصغيرة ليلى ذات الست سنوات تحمل في ذاكرتها الذكريات السيئة فقط عن سوريا,وهي الآن في حالة جيدةهنا ولديها في المدرسة أصدقاء ومعلمون لطفاء. أما ابني الأكبر فعمره ستة عشر عاماً وقد كان على وشك الدخول بالمرحلة الجامعية ،في حين انه يعاني هنا من صعوبة اللغة الألمانية ومن المحتمل أن يضطر إلى دخول المدرسة المهنية.
ما أكثر ما تشتاق اليه في سوريا؟بالطبع أجد أن التعليم هنا للأطفال جيدٌ جداً وهذا من أفضل المزايا . كما أن ألمانيا هي أكثر الدول الأوربية التي استوعبت اللاجئين وهذا ما لا يمكن أن ننساه.
من رأي بعض الألمان أنه يجب علي اللاجئين مغادرة ألمانيا والعودة إلى بلدهم ،ما رأيك بذلك؟لا،على الاطلاق إنني أشعر يومياً بألم الأشتياق والحنين إلى وطني.
ماذا تتمني للمستقبل؟أفتقد كثيراً إلى الحياة الإجتماعية مع عائلتي من طعام وشراب و إلى المساجد وأصوات الأذان,كانت الحياة في سورية أكثر بساطة إذ كنت أقوم بزيارة شقيقيتي كلما رغبت بذلك. أما هنا فيغرق الفرد في روتين يومي من القواعد والمواعيد محددة.
ماذا تعني لك كلمة "لاجئ"؟انني أتمنى ذلك بكل سرور كما انني أرغب ايضاً بعدم تدخل الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية حتى تستقر الأوضاع في سوريا. ألمانيا تستفيد مادياً من هذا الصراع وتدعم دولاً مثل المملكة العربية السعودية بالسلاح وهذا يساهم بزيادة الدمار.
هل لديك كلمة أخرى أفضل من كلمة "لاجئ"؟أتمنى ان يحل السلام في سورية حتى اتمكن من العودة إلى وطني و أساهم في بنائه دون أي تردد ، حيث سيكون لدي الفرصة بتقديم شيءٍ ما إلى بلدي ، في حين أشعر الآن بعدم القدرة على فعل ذلك.
أنا أستاء كثيرا من هذه الكلمة وأشعر كأنني متسول وسط المجتمع.
ممكن أن تكون ضيف أو مقيم, وبالنسبة لي :مضيف مؤقت.
لم تشعر الأسرة بالاستقرار بعد :فالأم لمياء بدر تأمل أن تتمكن من السفر إلى ألمانيا خلال شهر ،أما سامي فيأمل أن يستطيع قريباً العودة إلى سوريا ،و مايزال الأطفال حتى الآن يتعلمون اللغة الألمانية. وبالرغم من كل ذلك نجد أن صورة بروفايل الـ" وتس أب" لدى لمياء هي صورة ابنتها الصغيرة ليلى ذات الست سنوات ووهي مرتدية "ديرندل" وهو فستان بافاري تراثي وجدائل شعرها الطويلة تتدلى وعندما تُسأل ليلي عن العودة إلى سوريا تكتفي بهزِّ رأسها يميناً و يساراً وتقول "لكن هنا أجمل".
ملاحظة -تم في هذا المقال تغير الأسماء وذلك حسب رغبة الأسرة خوفاً من سوء فهم قد يؤثر علي إقامتهم في ألمانيا. نوجه جزيل الشكر إلى ألمانيا ولكن سوريا سوف تبقى وطني قال سامي.